جريمة المحمدية: حين يعجز القانون عن ردع وحشية العنف ضد النساء.

تكررت المآسي التي تهزّ الضمير الجمعي للمغاربة، حيث تعيد حادثة المحمدية فتح جرح لم يلتئم بعد. هي جريمة أخرى تنضاف إلى سجل الجرائم الوحشية التي تنتهك جسد وكرامة المرأة في هذا البلد، تذكرنا بمرارة بما حدث للراحلة حنان، التي عذبت وقتلت بدم بارد، كأن المجتمع لم يستوعب بعد الدرس ولم يتخذ موقفاً حازماً لإيقاف هذا النزيف الإنساني والأخلاقي.
إن ما يحدث ليس مجرد تجاوز للقوانين، بل هو انهيار صارخ لقيم الإنسانية، كيف يمكن لأي شخص أن يتجرأ على تعذيب كائن بشري بوحشية؟ وأي مجتمع يسمح بتكرار مثل هذه الجرائم دون أن يقف وقفة صارمة للمحاسبة وإيقاف النزيف؟ القوانين، رغم أهميتها، أثبتت أنها غير كافية عندما تواجه عقليات متجذرة في التسلط والاحتقار. فالمشكلة ليست فقط في نصوص قانونية، بل في مجتمع يُنتج هذا العنف ويغضّ الطرف عنه.
حادثة المحمدية، كما سابقتها، تفضح هشاشة المنظومة بأكملها، أين كانت الوقاية؟ وأين كان الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا قبل أن يصلن إلى هذا المصير المؤلم؟ أين هي برامج التوعية التي تتجاوز الشكليات لتصل إلى جوهر المشكلة؟ لماذا يُترك المعتدون يعبثون بأمان المجتمع وهم يدركون أن العقوبات قد تكون مجرد ورقة صغيرة في سجلاتهم؟ هذه الأسئلة يجب أن تجد أجوبة فورية وشجاعة.
من المحزن أن نرى المجتمع يكتفي بدور المتفرج، يستهلك الأخبار وكأنها دراما يومية عابرة، أين الغضب؟ أين الاحتجاج؟ أين التضامن الحقيقي مع الضحايا؟ نحن بحاجة إلى ثورة مجتمعية تتجاوز البيانات والتعليقات العابرة، يجب أن نرفض بشكل قاطع أن تكون أي امرأة ضحية لعنف وحشي تحت أي ظرف.
إن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب مواجهة شجاعة مع الذات، مع ثقافة متجذرة في تبرير العنف والسكوت عنه، الأمر يتطلب عملاً حقيقياً يبدأ من التعليم والتربية، إلى العدالة والردع، وصولاً إلى تعزيز قيم المساواة والاحترام في كل مفاصل المجتمع.
ما حدث في المحمدية ليس مجرد حادثة، بل إنذار جديد بأن الوقت قد حان لتغيير جذري وشامل.
لن يكون هناك أي مبرر للاستمرار في تجاهل هذه الكوارث الإنسانية. على السلطات أن تتحرك بحزم وسرعة وعلى المجتمع أن يتحمل مسؤوليته، السكوت لم يعد خياراً، والتبرير هو جريمة أخرى تُضاف إلى قائمة طويلة من الإخفاقات، حينما تصبح حياة المرأة في هذا البلد مجرد رقم جديد في سجل الجرائم، فإننا نعلن فشلنا الجماعي في حماية أبسط حقوق الإنسان.