الاستاذ يوسف بنشهيبة يكتب: هل يتم إستغلال الاسطورة من أجل تعطيل العقل ؟!

تشهد العديد من الأماكن في دول العالم العربي إقبالاً منقطع النظير بسبب الأساطير والخرافات التي تُنسَج حولها، سواء كانت مغارات، قبور أو حتى أماكن ذات رمزية دينية، و تتنوع الحكايات بين البشر والجن وبين البركة والعلاج السحري، حتى تصبح هذه الأماكن جزءًا من ذاكرة الجماعة، لكن هذه الأساطير ما هي إلا انعكاس لما يعانيه الناس من غموض وقلق، وما يواجهونه من واقع مرير يتطلب تفسيرات خارج نطاق المنطق.
الاستاذ يوسف بنشهيبة الباحث في العلوم القانونية يسلط الضوء على هذه الظاهرة من خلال دراسة كيفية تداخل الخرافة مع الحياة اليومية، خاصة في المجتمعات التي يسود فيها الجهل والفقر والمرض، حيث يبين أن العديد من الأفراد يذهبون إلى هذه الأماكن بحثًا عن حلول لمشاكلهم، دون أن يسألوا أنفسهم عن مدى مصداقية ما يُقال، غالبًا ما يكون هؤلاء الأشخاص ضحايا لمعاناة طويلة، لا يجدون لها علاجًا في الطب الحديث أو في العلوم المعروفة، مما يدفعهم إلى الانجذاب إلى هذه الحكايات التي تنادي بالشفاء عبر قوى خارقة أو تدخلات غيبية.
في هذا السياق، يتحدث الاستاذ بنشهيبة عن “القائمين” على هذه الأماكن، الذين يروّجون لخرافاتهم بدافع الاستغلال، فهذه الأساطير وفقًا له ليست مجرد جزء من الثقافة الشعبية، بل هي أداة للربح، أداة تعتمد على قدرة بعض الأشخاص على إقناع الآخرين بما يتفوهون به، واللافت في الأمر أن هؤلاء القائمين يؤمنون تمامًا بما يقولونه، وهذا الإيمان ينعكس على طريقة تعاملهم مع الآخرين، حيث يظهرون كأنهم لا يشككون في صحة الخرافات التي يروجون لها.
هذه الممارسات ليست مجرد حكايات تُسرد بل هي بمثابة مهنة مربحة للغاية، فالتجارة بالخرافة تتطلب إتقانًا عاليًا لأدوات الخطاب والإقناع وقدرة على جذب جمهور يصدق دون شك أو تساؤل، في حين أن العديد من الأشخاص الذين يسهمون في نشر هذه الأساطير، هم في الحقيقة ليسوا سوى ضحايا آخرين، فقد أصبحوا سجناء لآراء وحكايات تقتصر على المجهول والمخفي.
ما يثير الاستفهام في ما قاله الاستاذ يوسف بنشهيبة هو التأثير العميق لهذه الخرافات على العقل الجمعي، ففي المجتمعات التي يُمنع فيها التفكير النقدي والبحث عن الحقيقة و يصبح الإيمان بالخرافة بديلاً عن الفهم العميق للواقع وكدالك يصبح الإيمان بهذه الحكايات أمرًا شبه مقدس، حتى لو كانت مغايرة للواقع الاستاذ بنشهيبة يطرح هنا إشكالية مهمة حول كيف أن هذه الأساطير تستمر في الانتشار، وكيف أن البعض يدافع عنها باعتبارها جزءًا من التراث الثقافي، بالرغم من أنها تمثل عائقًا كبيرًا أمام التفكير العلمي والعقلاني.
الأسطورة في جوهرها ليست مجرد قصة عابرة بل هي عبارة عن تفسير لما يجهله الناس، تحاول ربط كل ظاهرة اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية بسببه غيبي لا يقبل النقاش هدا الأخير يُظهر أن الأسطورة تتغذى على العجز الاجتماعي والاقتصادي، وعلى الحاجة الماسة للتفسير والتبرير، مما يفسح المجال لاستمرارها عبر الأجيال.
إذا كان البعض يرى أن الخرافة جزء من التراث الشعبي، فالمقال يوضح أن هذا الموروث يمكن أن يكون في بعض الأحيان ذا طابع سلبي، يساهم في تعطيل التفكير المنطقي والعلمي و الخرافة تصبح جزءًا من واقع الناس، خاصة أولئك الذين يعانون من ظروف اجتماعية صعبة، ويبحثون عن تفسير لتحدياتهم، لكن في نهاية المطاف فإن هذه الخرافات ليست سوى فخّ يُقيد العقول ويمنع التفكير النقدي.
من خلال مقاله يُظهر يوسف بنشهيبة كيف أن الخرافة قد تصبح أداة استغلال مربحة، ويُحذر من تأثيرها السلبي على المجتمع، ويكشف الكاتب عن العلاقة المعقدة بين الحقيقة والوهم، حيث يصبح إيمان الناس في بعض الأحيان عائقًا أمام تحقيق التقدم الحقيقي.