المقاومة تنتصر إرادة الشعوب أقوى من العدوان

بقلـــم :هـــاجر القـــاسمـــي
في ظل عدوان غاشم استمر أسابيع طويلة واجهت المقاومة الفلسطينية آلة الحرب بصلابة وإصرار عز نظيرهما في العصر الحديث، لم يكن هذا مجرد صراع عسكري تقليدي بل كان اختبارًا لإرادة شعب يقاتل من أجل حقه في الحياة والحرية مقابل قوة عسكرية تسعى لتركيع إرادته وفرض شروط الهيمنة.
انتصار المقاومة الفلسطينية في فرض صفقة وقف إطلاق النار، على الرغم من التفاوت الهائل في موازين القوى، هو درس بليغ في معاني الصمود، ورسالة واضحة بأن الشعوب التي تؤمن بحقوقها وتتمسك بمبادئها قادرة على تغيير قواعد اللعبة، مهما بدت الظروف معاكسة.
فرض المقاومة لشروطها في صفقة وقف إطلاق النار لم يكن مجرد إجراء تقني لإنهاء القتال، بل جاء تتويجًا لمعادلة جديدة فرضتها على الأرض. الصواريخ التي انطلقت من غزة، رغم الحصار والدمار، أصابت عمق الكيان المحتل، وخلقت واقعًا أمنيًا غير مسبوق، أثبت أن زمن الاستفراد بالشعب الفلسطيني قد ولى، وأن معادلة الردع دخلت مرحلة جديدة.
لا يمكن الحديث عن انتصار المقاومة دون الإشارة إلى الدور البطولي للشعب الفلسطيني، الذي واجه القصف والتشريد بصبر أسطوري، وقدم التضحيات بروح عالية من المسؤولية والوعي. الأحياء التي تحولت إلى أنقاض كانت شاهدة على عظمة شعب أصر على الحياة رغم الموت الذي يحيط به من كل جانب.
على المستوى الداخلي، حققت المقاومة ما يشبه الإجماع الوطني حول شرعية الدفاع عن الأرض والشعب. كانت وحدتها في الميدان، رغم الاختلافات السياسية، رسالة قوية بأن المقاومة ليست مجرد بندقية، بل مشروع تحرري شامل يجسد تطلعات كل الفلسطينيين.
لم يكن انتصار المقاومة ميدانيًا فقط، بل كان أيضًا انتصارًا في معركة الرواية. مشاهد العدوان الوحشي وجرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال نقلت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي. حملات التضامن في العواصم الكبرى، والضغوط الشعبية على الحكومات الغربية، أثبتت أن العالم بدأ ينفتح على حقيقة الصراع، وأن الرواية الإسرائيلية لم تعد قادرة على الهيمنة كما كانت في السابق.
رغم انتصار المقاومة في فرض شروطها، فإن المعركة لم تنتهِ، بل ربما تكون قد بدأت بشكل جديد. الاحتلال سيستمر في محاولاته لفرض واقع مغاير على الأرض، سواء عبر الاستيطان أو التهجير، لكن المقاومة أكدت أنها مستعدة لأي سيناريو قادم.
إن وقف إطلاق النار، بقدر ما هو إنجاز، يضع المقاومة أمام مسؤولية كبرى لتعزيز مكتسباتها، والبناء على هذا الانتصار لتقوية الصف الوطني، وتحصين الجبهة الداخلية ضد كل محاولات الاختراق والضغط.
في النهاية، ما حدث ليس مجرد اتفاق لوقف إطلاق النار، بل تأكيد على أن إرادة الشعوب أقوى من الاحتلال، وأن المقاومة، مهما كانت الإمكانيات، قادرة على تحقيق المستحيل عندما تكون مدفوعة بإيمان راسخ بحقها. هذا الانتصار، بكل أبعاده، هو رسالة لكل الأحرار في العالم: لا مستحيل أمام الشعوب التي تؤمن بقضيتها وتقاوم من أجلها.