قضايا و رأيمقالات الرأيوطنية

تاونات المظلومة.. حين يُزهِر الجمال ويُسرق الاعتراف.

تــحــريــر: هـــاجـــر القـــاسمـــي

تاونات المظلومة.. حين يُزهِر الجمال ويُسرق الاعتراف تاونات مدينة مغربية تختزن من الجمال ما يجعلها متفردة، ومن الخيبة ما يجعلها موجوعة، أرض تتفتح فيها الزهور كما تتفتح القصائد، وتزهر تلالها كأنها لوحات من عالم آخر، لكن المجد يُسرق منها كل مرة، ويُهدى لغيرها، كأنها لا تستحق أن تُرى، أو تُذكر، أو تُحَب.

في الأيام الماضية غزت صور التلال البنفسجية مواقع التواصل الاجتماعي، وألهبت خيال الناس بجمالها اللافت، لكن الكذبة لم تتأخر، إذ نُسب هذا السحر الطبيعي إلى ضواحي مدينة فاس، بينما الحقيقة تئن بصمت في حضن قبيلة الشراگة بني عامر، جماعة الولجة، إقليم تاونات، تلك الأرض التي أنجبت الزهر، صارت غريبة عن ما نبت فيها، وغريبة عن الوطن الذي لم يُنصفها قط.

الظلم قديم في هذه المدينة، لا مصانع تُبنى، لا طرق تُعبّد، لا استثمارات تُشجع، ولا صوتٌ يُنصت إلى حاجاتها، مدينة لا ينقصها الجمال، بل ينقصها الاعتراف، تُحرم من حقها في أن يُقال عنها إنها مدهشة، رائعة، تستحق أن تكون في قلب خارطة التنمية، لا في هامشها المهمل، تاونات لا تطلب معجزة، بل تطلب فقط أن تُنسب لها مناظرها، وأن يُمنح أبناؤها ما يستحقونه من فرص، وأن تُعامل كما تُعامل المدن الأخرى، بلا تقليل ولا إنكار.

المؤلم ليس فقط في التهميش، بل في التواطؤ على النسيان، أن تمر صورها البهية عبر الشاشات والهواتف، ويُقال عنها إنها من مكان آخر، هو نوع من السطو الرمزي، أشد مضاضة من الفقر، وأقسى من العزلة، تاونات ليست ظلًا لأحد، وليست حديقة خلفية لأي مدينة، إنها كيان مستقل، بتاريخها، وقبائلها، وجبالها، وأصوات ناسها الذين يعرفون كيف يصبرون دون أن ينحنوا.

من حق تاونات أن تُذكر باسمها، أن يُقال للناس، وللإعلام، وللسياسيين، ولمن يتاجرون بالجغرافيا، هذا الجمال من هنا، من تراب تاونات، وليس من مكان آخر، ما نُسب إلى فاس لم يكن سوى مشهد مأخوذ من قلب الولجة، مشهدٌ خطف الأنفاس لكنه لم يجد اسمه الحقيقي في التعليق ولا في المنشور، وهذا ليس مجرد خطأ، بل هو استمرار لحكاية طويلة من التغييب.

الإنصاف يبدأ من الاعتراف، وتاونات، رغم صمتها الطويل، تستحق أن يُرفع عنها هذا الظلم الناعم، تستحق أن تُروى حكايتها كما هي، بلا تحوير ولا تحريف، تستحق أن تعرفها العدسات قبل أن يلتقطها الغرباء، وإن لم يكن الجمال كافيًا كي يُمنح لها الاعتراف، فليكن الصدق سببًا.

تاونات تستحق أن يُكتب اسمها تحت كل صورة التُقطت لتلالها، أن تُرفَع لافتتها فوق كل جمال من جمالها، وأن يُحكى عنها، لا فقط كأنها وجهة عابرة، بل كأنها وطن مصغّر، لا يزال ينتظر أن تلتفت الدولة إليه، لا لتمنّ عليه، بل لتردّ له شيئًا من حقٍ مسلوب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى