تحت المجهرجهويةقضايا و رأيمحليةوطنية

زلزال فساد يهز بوسكورة…تقارير سوداء تكشف المستور والدولة على مشارف العزل والمتابعة.

في مشهد يعكس انهيار منظومة الحكامة داخل مؤسسة من المفترض أن تشكل صمام أمان للتدبير المحلي، اجتاحت جماعة بوسكورة عاصفة مؤسساتية غير مسبوقة عقب صدور تقارير رقابية وُصفت في الأوساط الإدارية والقانونية بـ”السوداء”، لما تضمنته من معطيات صادمة وانتهاكات صارخة للقانون، بلغت في بعضها حدّ الأفعال الموصوفة جنائياً.

هذا الزلزال الإداري، الذي هزّ كيان الجماعة من الداخل، لم يكن سوى نتيجة تراكم ممنهج لسلوكيات سلطوية خارجة عن منطق المشروعية، وهو ما عجل بتحرك وزارة الداخلية لتفعيل مساطر العزل والمتابعة، تحت مظلة ربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري وقاعدة من قواعد دولة القانون.

وإذا كانت مضامين التقارير المنجزة من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات قد أزاحت الستار عن واقع تدبيري مختل، فإن الأدهى يكمن في انكشاف شبكة من التجاوزات الممنهجة، شملت مجالات التعمير، الصفقات، تدبير الممتلكات والرخص الإدارية، في تحدّ سافر لمقتضيات القوانين التنظيمية الجاري بها العمل، ولروح المسؤولية العمومية التي يفترض أن تسكن كل من تصدى للتدبير المحلي وهكذا أضحت جماعة بوسكورة اليوم على مرمى من قرارات حاسمة قد تعصف برئيسها ونوابه، وتعيد ترتيب مشهد التدبير الترابي على ضوء المساءلة القانونية والمؤسساتية.

فالتقارير الرقابية التي أنجزت بتعليمات مباشرة من السيدة زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، وبتنسيق دقيق مع مصالح وزارة الداخلية، كشفت عن خروقات وصفها مصدر إداري رفيع بـ”الخطيرة والممنهجة”، حيث امتدت آثارها إلى صميم المرفق العام، مهددة بجرّ المسؤولين المحليين إلى المساءلة الإدارية والقضائية.

وتؤكد المعطيات المتسربة أن التجاوزات طالت منح رخص البناء فوق تجزئات غير قانونية وإصدار شواهد إدارية استُعملت في تسويق وتحفيظ عقارات في وضعية غير نظامية، وربط مشاريع سكنية بشبكة الكهرباء دون التوفر على رخص السكن أو شهادة المطابقة، إلى جانب توقيع وثائق التسليم المؤقت للتجزئات دون استيفاء المستحقات القانونية لفائدة الجماعة.

ولم تقف التجاوزات عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل استعمال نواب للرئيس لصلاحيات في مجال التعمير دون سند تفويضي قانوني، في خرق صريح لمقتضيات المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.

وهو ما دفع العامل السابق لعمالة النواصر إلى اتخاذ تدابير استعجالية تمثلت في سحب جميع التفويضات من نواب الرئيس، بمن فيهم نائبة وُجهت إليها اتهامات بالتورط في شرعنة أنشطة تجارية عشوائية، ما ترتب عنه تجميد منح رخص الربط بالكهرباء وقد تم تنفيذ القرار تحت ضغط الوضع الأمني والإداري المتدهور، بعدما أصبحت مظاهر الفوضى العمرانية تنذر بانهيار شامل للمنظومة التعميرية داخل الجماعة.

وفي سياق متصل باشرت السلطات الإقليمية، تحت إشراف مباشر من وزارة الداخلية، عملية ضبط صارمة لآلية منح الرخص، حيث أُخضعت كافة الملفات المتعلقة بالتعمير للمراقبة المباشرة، وأُوقف المسؤول الإداري الأول عن القطاع بعد ثبوت ضلوعه في تمرير مشاريع غير قانونية بتواطؤ مع جهات نافذة داخل المجلس.

كما تم تنفيذ عدد من الإجراءات الميدانية من قبيل إغلاق المحلات التجارية غير القانونية، بعضها في ملكية أعضاء منتخبين، وهدم مستودعات عشوائية تم تشييدها خارج الضوابط القانونية، ومراجعة وضعية عدد من العقارات الجماعية التي شابها الاستغلال غير المشروع.

وتتجه وزارة الداخلية نحو تنزيل المرحلة الثانية من المعالجة، والمتمثلة في عرض الملفات على القضاء، حيث أفادت مصادر مطلعة أن الوزارة أعدت لائحة تضم عدداً من رؤساء الجماعات، من بينهم رئيس جماعة بوسكورة، سيُحالون على القضاء الإداري في إطار مسطرة العزل، وعلى النيابة العامة المختصة في إطار مساطر جنائية، وذلك بناءً على تقارير مفصلة وثقت الأفعال المشتبه بها، والمتراوحة بين تبديد المال العام، وتفويت ممتلكات جماعية، وإبرام صفقات مشبوهة، والتغاضي عن مخالفات عمرانية جسيمة.

ووفقاً للمصادر نفسها فإن النيابة العامة لدى محاكم جرائم الأموال بكل من الدار البيضاء، الرباط، فاس ومراكش، توصلت بملفات جاهزة للإحالة، في أفق فتح تحقيقات جنائية مع المتورطين. ويُنتظر أن تشمل المتابعة تهماً من العيار الثقيل تتعلق أساساً باختلاس أموال عامة، استغلال النفوذ، التزوير في محررات إدارية، والمشاركة في أعمال من شأنها الإضرار بالمرفق العمومي ومصالح المواطنين.

وفي انتظار صدور القرارات النهائية بشأن العزل والمتابعة يعيش الشارع المحلي بجماعة بوسكورة حالة من الترقب والقلق، في ظل تنامي المطالب الشعبية والمؤسساتية بتفكيك شبكات الريع السياسي وتحرير الجماعة من قبضة الفساد.

وفي الوقت الذي تم فيه سحب التفويضات من المنتخبين المتورطين صار من اللازم، من زاوية قانونية، إلزامهم بإرجاع سيارات الدولة التي كانوا يستغلونها خارج المهام، تحت طائلة المساءلة عن التعدي على المال العام واستعمال ممتلكات عمومية بدون موجب قانوني.

وفي الاخير تبقى أعين الرأي العام شاخصة نحو وزارة الداخلية والسلطات القضائية، ترقباً لتفعيل حازم وحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وترسيخاً لدولة القانون التي لا تعترف بحصانة الفساد، ولا تتهاون أمام العبث بالثقة العمومية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى