إحالة ملف أحمد العنابي على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء: ملف تزوير عقاري يدخل دائرة الجرائم الجنائية الخطيرة..

عــــلاش تــيفـــي
أحالت النيابة العامة المختصة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مؤخراً، ملف المنعش العقاري أحمد العنابي ومن معه على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال، وذلك للاشتباه في تورطهم في أفعال تدخل في عداد الجرائم الجنائية الخطيرة المعاقب عليها بموجب القانون الجنائي المغربي.
وتأتي هذه الإحالة بعد أن تكشفت من خلال تحريات دقيقة وتحقيقات معمقة، معالم شبكة منظمة يُشتبه في ارتكابها أفعالاً جرمية تمس بسلامة الوثائق الرسمية ونزاهة المعاملات العقارية، من بينها جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها، جناية النصب، واستغلال النفوذ، وكلها أفعال منصوص ومعاقب عليها بمقتضى المادتين 351 و 356 من القانون الجنائي، والمادتين 540 و 248 منه.
الوقائع موضوع المتابعة تفيد بأن المشتبه فيه الرئيسي، أحمد العنابي، عمل على تزوير تصاميم ومخططات عمرانية وعقارية، بتواطؤ مع موظفين عموميين، بعضهم في حالة نشاط وبعضهم آخرون أحيلوا على التقاعد، قصد الحصول على تراخيص وموافقات إدارية لمشاريع وهمية أو محورة عن طبيعتها الحقيقية.
هذا السلوك يشكل اعتداءً على الثقة العامة، ويضرب في الصميم مبدأ المشروعية الذي ينبغي أن يسود المعاملات التعميرية والعقارية، ويُفرغ الوثيقة الإدارية من حجيتها المفترضة قانوناً فالملف كما أحيل على قاضي التحقيق يدخل في اختصاصات غرفة جرائم الأموال، بالنظر إلى طبيعة الأفعال الموصوفة والتي أفضت إلى تحقيق منافع مالية ضخمة بطرق يُشتبه في كونها تدليسية، حيث تجاوزت القيمة المالية للمعاملات التي تم التوصل إليها بوسائل غير مشروعة يقدر بالملايير وهي مبالغ توحي بخطورة الواقعة ودرجة التنظيم الذي ميز ارتكابها.
وتكشف المحاضر الأولية وتقارير التحري عن تحصيل هذه المبالغ من خلال عمليات بيع وتفويت لعقارات في إطار مشاريع غير قانونية، مما يثير الاشتباه بارتكاب جناية النصب المقترن بالتزوير واستغلال صفات وظيفية وفقاً للمقتضيات القانونية، فإن العقوبات المقررة لهذه الأفعال قد تصل إلى عشرين سنة سجناً نافذاً، لاسيما إذا ما ثبت أن الأفعال ارتكبت من قبل عصابة إجرامية منظمة، أو ارتبطت بأعمال تدليسية متكررة أضرت بمصالح عامة وخاصة.
كما أن توافر ظروف التشديد المنصوص عليها في الفصل 129 من القانون الجنائي، والمتعلقة بالاتفاق الجنائي، قد يضاعف من جسامة العقوبات المتوقعة، بالنظر إلى أن الجريمة لم تكن وليدة فعل معزول، بل نتيجة تدبير إجرامي ممنهج يستهدف قلب قواعد الشفافية والنزاهة التي ينبغي أن تحكم الاستثمار العقاري.
قاضي التحقيق الذي أحيل عليه الملف، يباشر حالياً مسطرة التحقيق الإعدادي وفقاً لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، حيث يُرتقب أن يتم الاستماع للمتهمين في إطار الاستنطاقين الابتدائي والتفصيلي، مع تمحيص القرائن المادية والمعنوية التي تؤطر الوقائع المنسوبة إليهم، وتقدير مدى كفايتها لإحالة الملف على غرفة الجنايات قصد المحاكمة، أو اتخاذ قرارات قضائية أخرى حسب ما تتيحه المقتضيات الإجرائية ومن المنتظر أيضاً أن يتم استدعاء شهود ومصرحين، إلى جانب إجراء خبرات تقنية أو محاسبية لتدعيم الملف من حيث الإثبات.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الملف أثار، منذ تفجر أولى خيوطه، اهتماماً واسعاً لدى الرأي العام، بالنظر إلى خطورته وتأثيره على مصداقية المؤسسات الإدارية والمالية، وعلى مناخ الأعمال وثقة المواطنين في مخرجات منظومة التعمير.
كما أنه أعاد إلى الواجهة النقاش القانوني والمؤسساتي بشأن ضرورة تعزيز آليات المراقبة، وتحصين الوثائق الرسمية من التلاعب، وترسيخ ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة، على نحو يضمن احترام مبدأ سيادة القانون في مواجهة كل أشكال العبث أو التجاوز.
وبينما تتواصل التحقيقات تحت إشراف النيابة العامة المختصة، تبقى أعين المتتبعين شاخصة نحو مخرجات هذا الملف، الذي قد يشكل منعطفاً حقيقياً في التعاطي مع الجرائم المالية والعقارية ذات البعد البنيوي، خصوصاً إذا ما أُرفقت الإجراءات القضائية بإصلاحات موازية على المستوى التشريعي والمؤسساتي، في سبيل ضمان حماية الملكية، وصون الأمن التعاقدي، وتكريس الشفافية في إدارة الشأن العقاري بالمغرب.