العطش كعنوان لإخلال جسيم بالمرفق العام … قراءة قانونية في أزمة الماء بجماعة أولاد أمراح.

بقلم: إيمان بوسويف.
لم يعد ما تعيشه ساكنة جماعة أولاد أمراح من معاناة مع انقطاع الماء الشروب حدثًا عرضيًا أو خللًا تقنيًا ظرفيًا، بل أضحى عنوانًا صارخًا لاختلال هيكلي في تدبير مرفق عمومي حيوي، يُفترض فيه أن يُدار وفق قواعد الحكامة الجيدة، ومبادئ الاستمرارية، والمساواة، والشفافية، كما ينص على ذلك الدستور المغربي والقوانين التنظيمية ذات الصلة.
يقوم المرفق العام في الفقه الإداري المغربي والفرنسي على مبدأ الاستمرارية، وهو ما يقتضي ضمان تقديم الخدمة للمواطن بانتظام ودون انقطاع، خصوصًا إذا تعلق الأمر بمرفق الماء الصالح للشرب الذي يدخل في خانة الحقوق الأساسية المرتبطة بالحياة والكرامة.
إن الانقطاع المتكرر وغير المبرّر للماء الشروب، دون إعلام مسبق أو وضع بدائل، يُشكّل إخلالًا جسيمًا بمبدأ الاستمرارية، وخرقًا واضحًا للمادة 7 من القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، والتي تُلزم الجهات الإدارية بتمكين المواطنين من المعلومة المتعلقة بالخدمات العمومية، خاصة عند وقوع اضطرابات أو أعطاب.
إذا كانت جماعة أولاد أمراح قد فوّضت تدبير مرفق الماء لشركة خاصة، فإن هذا التفويض لا يُعفيها من المسؤولية، بل يحمّلها واجب الرقابة والتتبع بمقتضى القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، وبالخصوص الفصل 83 الذي يُحمل المجلس الجماعي مسؤولية تتبع المرافق المفوضة. وبالمقابل، فإن الشركة المفوض لها، التي تلتزم تعاقديًا بضمان التزويد المنتظم بالماء، تصبح مسؤولة عن كل إخلال يؤدي إلى حرمان جماعة من حقها في مورد أساسي للحياة.
ويُطرح هنا سؤال جوهري: هل تم تفعيل الجزاءات المنصوص عليها في عقد التدبير المفوض؟ وإذا لم يتم ذلك، فهل نحن أمام حالة من التواطؤ الإداري أو الغياب الكلي لآليات المراقبة والمساءلة؟
إلى جانب العطش تأتي الوقائع المقلقة المرتبطة بسلوك الأغلبية المسيرة داخل المجلس الجماعي، التي أقدمت على تمرير منحة مالية لجمعيات معينة، في جلسة شابتها خروقات إجرائية جسيمة، منها التصويت في غياب كاتبة المجلس دون تعيين من ينوب عنها، مما يُخلّ بشرعية المحضر ويجعله عرضة للإبطال، فضلًا عن شبهة تضارب المصالح إذا ثبت أن هذه الجمعيات تدور في فلك الأغلبية أو ترتبط بها بشكل غير مباشر حيث إن مثل هذه الممارسات تُعدّ خرقًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور، وانحرافًا عن قواعد الشفافية والنجاعة التي تحكم تدبير المال العام.
كما يُمكن تصنيفها ضمن خانة استغلال النفوذ أو التسيير التحكّمي، ما يُؤسس قانونًا لإمكانية الطعن أمام القضاء الإداري حيث ينص الفصل 31 من الدستور المغربي على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في الماء. وهو نص يُكرّس التزامًا إيجابيًا لا يقبل التأجيل أو الانتقائية.
كما تُلزم المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدول الأطراف بضمان ولوج الأفراد إلى الماء بشكل مستدام ومأمون.
وحينما يُحرم المواطن من هذا الحق بسبب الإهمال، أو التسيير المرتجل، أو الصراعات السياسية، فإننا أمام مسّ مباشر بحق من حقوق الإنسان الأساسية، يمكن أن يؤسس للمساءلة الوطنية والدولية، خاصة إذا اقترنت هذه الانتهاكات بصمت مؤسسي غير مبرر.
أمام تفاقم الوضع، يُطرح السؤال حول مسؤولية السلطة الإقليمية، ممثلة في السيد عامل إقليم سطات، باعتباره الجهة المشرفة على تتبع أداء المجالس الجماعية وضمان احترام القوانين.
إن سكوت السلطة الوصية في مثل هذه الحالات، يضعها في موقف تساؤل قانوني وأخلاقي، لا سيما أن المادة 135 من القانون التنظيمي 113.14 تُخوّل للعامل صلاحية التدخل لإيقاف قرارات مخالفة للقانون أو تمسّ بالمرفق العام.
إن تفويض الاختصاص لا يعني تفويض المسؤولية، وإن ترك المواطن فريسة العطش والفوضى لا يدخل في إطار “الحياد الإداري”، بل يُشكّل نوعًا من اللامبالاة الإدارية التي تُقوّض أركان الدولة الاجتماعية.
ما يقع اليوم في جماعة أولاد أمراح لا يندرج فقط ضمن اختلالات مرفقية أو فوضى إدارية، بل يُجسّد أزمة في الفهم العميق لوظيفة المؤسسة العمومية، ولحقوق المواطنين كما يقرها الدستور والمواثيق الدولية.
العطش ليس مجرد انقطاع مائي، بل صرخة قانونية تنذر بانهيار الثقة في المؤسسات، وتستدعي تدخّلًا عاجلًا لتفعيل آليات المحاسبة، وردّ الاعتبار للحق في الكرامة والعيش اللائق.
لقد آن الأوان لتجاوز منطق “الترضيات السياسية” و”الصمت المؤسساتي”، نحو دولة تُنصت، تُحاسب، وتُصحّح. فحق الناس في الماء ليس منّة من أحد، بل واجبٌ قانوني وأخلاقي لا يقبل التأجيل.