القضاء يُنصف محمد أبركان… براءة من تهم الارتشاء والابتزاز ومحكمة فاس تُعيد الثقة في العدالة.

أسدلت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بفاس الستار على واحدة من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام الوطني، بعد أن قضت ببراءة محمد أبركان من التهم الموجهة إليه والمتعلقة بالارتشاء والابتزاز ومخالفة ضوابط التعمير، والتي سبق أن أدين بسببها ابتدائياً بعقوبة سالبة للحرية حيث شكّل الحكم الاستئنافي لحظة قضائية فارقة، إذ ارتكز على تعليل قانوني دقيق وتحليل موضوعي لأدلة الملف، متجاوزاً ما وصفه الدفاع بـ”الانزلاقات التأويلية” التي شابت الحكم الابتدائي.
فقد أكدت المحكمة أن المتهم لم تكن له أي صلاحية قانونية لتوقيع رخص البناء أو الربط بشبكات الماء والكهرباء، ما أسقط الركن المادي لجريمة الارتشاء، في وقت فشلت فيه النيابة العامة في إثبات أي واقعة تدل على الإثراء غير المشروع واعتبرت المحكمة أن شهادة الطرف المدني محمد زرهوني مشوبة بعداوة سياسية معلنة، مدعومة بأحكام قضائية سابقة، ما أفقدها صفة الحياد الواجب توفره في الشاهد. كما شككت في قانونية شهادات أخرى اعتمدتها المحكمة الابتدائية، موردة أن من يكون في خصومة لا يمكن اعتباره شاهداً.
وفي لحظة مفصلية من مسار المحاكمة، اعتُبرت شهادة المستشار الجماعي بن يعقوب حجاري حاسمة، إذ أكد أمام قاضي التحقيق أن أبركان لا يملك صلاحية توقيع الرخص، ما عزز موقف الدفاع الذي شدد على غياب الأدلة المادية والوثائق التي تثبت التهم المنسوبة إلى موكله كما تألقت هيئة الدفاع التي ضمت محامين بارزين بمرافعات وُصفت بالمتقنة، جمعت بين صرامة القانون وسمو العدالة، معتبرين أن المحامي لا يدافع عن براءة جاهزة، بل عن حقوق مهددة ومبادئ معرضة للتأويل.
الحكم لم يقف عند حدود البراءة، بل أبرز خللاً قانونياً في القرار الابتدائي، حينما أشار إلى خرق الفقرة الثانية من المادة 325 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تمنع أن يكون أحد أطراف الخصومة شاهداً في نفس الملف. كما ذكّر بأحكام الفصلين 299 و251 من القانون الجنائي، الذين يؤطران بشكل صارم حالات التبليغ الكاذب عن الارتشاء وعدم التمييز بين الراشي والمرتشي في حالة ثبوت الجريمة.
أما بخصوص باقي التهم من قبيل التزوير واستغلال النفوذ والغدر والبناء بدون ترخيص، فقد أيدت المحكمة الحكم الابتدائي القاضي بعدم توافر أركانها المادية والمعنوية، معتبرة أن الملف خالٍ من أي دليل يُثبت ارتكاب أبركان لتلك الأفعال.
وبالتالي أختتم هذا المسار القضائي بتأكيد المحكمة على أن العدالة لا تقتصر على معاقبة الجناة، بل تقوم على ضمان ألا يُدان الأبرياء، ليكون حكم البراءة في حق محمد أبركان، ليس فقط انتصاراً قانونياً، بل أيضاً رسالة قوية بأن القضاء المغربي، حين يتحرر من ضغط الانطباعات ويسترشد بحكمة النص وروح القانون، يكتب أحكامه بمداد الثقة ويكرّس صورة المحكمة كملاذ للعدل لا ساحة للتصفية.
وقد خلُصت المحكمة إلى أن لا وجود لأي دليل قانوني يُعتدّ به لإدانة أبركان، لتطوى بذلك صفحة قضائية أثارت الكثير من الجدل، وتُسجل في أرشيف القضاء المغربي كإحدى المحطات التي أكدت على استقلالية المؤسسة القضائية وقدرتها على تصحيح الذات.