المغرب بين وهــم الدولة الاجتماية والواقــع الاقتصادي المتـــأزم.

تــحــريــر: هـــاجـــر القـــاسمـــي
منذ انتخابات 2021 لم يغب مصطلح الدولة الاجتماعية عن الخطاب السياسي المغربي غير أن هذا التكرار المتزايد لم ينجح في إقناع الجميع بوجود تحول فعلي نحو نموذج يضع المواطن في قلب السياسات العمومية إذ عبّر المهدي لحلو الخبير الاقتصادي والأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي عن هذا التشكك بوضوح خلال لقاء نظمته فدرالية اليسار حيث وجّه نقداً لاذعاً لما وصفه بانفصام بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي اليومي.
ولم يتردد الخبير الاقتصادي المهدي لحلو في وصف النموذج التنموي الجديد بأنه وُلد ميتاً حيث أشار إلى أن ما تم تقديمه كخارطة طريق مستقبلية ليس سوى إعادة إنتاج لتقرير لجنة الخمسينية دون أن يحمل في طياته قفزة نوعية أو رؤية تجيب عن التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة ثم تساءل بنبرة لا تخلو من السخرية إن كانت فعلاً هناك إرادة لبناء دولة اجتماعية في ظل وجود رئيس حكومة يرأس في الآن نفسه إدارة شركة محروقات كبرى وفي محيطه وزراء يشغلون مناصب في مؤسسات خاصة لها مصالح اقتصادية ضخمة لذلك طرح السؤال بصراحة لمن تشتغل الحكومة فعلاً هل لمصلحة المواطن أم لحساب قوى المال والنفوذ.
وبالنسبة للخبير الاقتصادي لا يمكن الحديث عن دولة اجتماعية في ظل تدهور القدرة الشرائية وتقلص الدخل الوطني وارتفاع معدلات البطالة والتضخم لأن الدولة الاجتماعية كما يعرفها هي تلك التي تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم وتوفر خدمات الصحة والتعليم والسكن بكرامة وهي مقومات يرى أنها تغيب عن الواقع المغربي اليوم مقابل أولويات يعتبرها غير منطقية.
أما المفارقة الكبرى التي أثارها المهدي لحلو فتتعلق بالرهانات المالية الضخمة على استضافة كأس العالم والتي توقع أن تتجاوز تكلفتها 450 مليار درهم إذ يرى أن هذه الأرقام الضخمة في ظل هشاشة اقتصادية متزايدة قد تؤدي إلى تكرار سيناريوهات مأساوية عرفتها دول مثل اليونان بعد أولمبياد 2004 أو البرازيل بعد مونديال 2014 حيث تحوّلت الطموحات الرياضية إلى عبء اقتصادي أثقل كاهل الدولة والمواطنين على حد سواء ثم تساءل عن مصادر تمويل هذه المشاريع العملاقة ومصيرها بعد انقضاء لحظة الاحتفالات وهل ستكون حقاً رافعة للتنمية أم عبئاً جديداً يفاقم الأزمات.
وسط هذه المعطيات يظل السؤال معلقاً دون جواب شافٍ هل الدولة الاجتماعية في المغرب مشروع فعلي يتم تنزيله على أرض الواقع !؟ أم مجرد شعار سياسي عابر يُرفع في مواسم انتخابية أو خطابية دون أن يترجم إلى التزامات ملموسة !؟ لأن الخبير الاقتصادي المهدي لحلو لا يجد في الأرقام والمؤشرات الاقتصادية إلا دليلاً على أن الهوة بين الخطاب والممارسة تتسع يوماً بعد يوم وأن المواطن لا يزال ينتظر دولة يشعر من خلالها بأنه في صلب السياسات لا مجرد رقم في معادلات سياسية واقتصادية تخدم من هم في الأعلى.