محمد شوكي… صوت العقل ورهان الكفاءة داخل البرلمان المغربي

برز محمد شوكي كرجل يحمل هدوء العارف، وحنكة المتبصر، وواقعية السياسي المسؤول، في زمن الضجيج السياسي وسوق الشعارات المتصادمة، حيث لم يكن مجرد رئيس لفريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، بل أحد أبرز الوجوه التي تعيد رسم صورة العمل السياسي في المغرب، بعيداً عن المزايدات والصراعات الظرفية، وبعيداً أيضاً عن إغراءات الخطاب الشعبوي الذي يسعى إلى التأثير السريع دون مضمون حقيقي، فانطلق من أرضية صلبة جمعت بين التكوين الاقتصادي الرصين والرؤية السياسية الناضجة، حيث لم تفصله كفاءته العلمية عن هموم المواطن، بل منحته أدوات لفهم أعماق الأزمة واقتراح حلول عملية بعيدة عن الارتجال، فهو السياسي الذي يُصغي قبل أن يتكلم، ويحاور قبل أن يرد، ويقدم رؤية قبل أن يخوض أي سجال، وهو الذي فهم أن القوة لا تُقاس بعلو الصوت، بل بقدرة الخطاب على الإقناع، وبتماسك الموقف السياسي وسط العواصف، وجعل من فريق التجمع الوطني للأحرار صوتاً عقلانياً داخل قبة البرلمان، حيث تولى مهمة الدفاع عن توجهات الحزب بمنهجية مؤسساتية تحترم قواعد النقاش الديمقراطي، دون أن يسقط في منطق المناورة أو الخطاب المجاني، فبأسلوبه المتزن، لم يكن يسعى إلى إثارة الجدل من أجل الحضور الإعلامي، بل إلى تقديم البدائل والسياسات العملية التي تستجيب لحاجيات المواطنين وتطلعاتهم المشروعة.
جمع شوكي بين السياسة والتواصل، بين الاقتصاد والتشريع، وبين تحليل الأرقام والتفاعل مع نبض الشارع، فكان من القلائل الذين يملكون القدرة على النزول بلغة المؤسسات إلى مستوى الفهم الشعبي دون أن يُفرغها من مضمونها، وهو ما جعله يحظى باحترام واسع داخل البرلمان وخارجه، سواء من طرف الفرق النيابية الأخرى أو من قبل المتابعين للشأن العام، لكونه جسد فعلاً صورة السياسي المسؤول، لا السياسي الباحث عن التموقع أو الاصطفاف الظرفي، وبحكم تكوينه العميق في الاقتصاد، لم تكن مداخلاته البرلمانية مجرد آراء عامة، بل تحاليل دقيقة تستند إلى معطيات موثوقة ورؤية مستقبلية، خاصة في الملفات المرتبطة بالمالية العمومية والاستثمار والحماية الاجتماعية، حيث كان يشدد دائماً على ضرورة أن يكون الإصلاح من داخل المؤسسات، وأن تكون الدولة الاجتماعية رؤية قائمة على التوازن والعدالة والفعالية، لا مجرد شعار يُردد دون مضمون.
جعل من السياسة جسراً بين الحزب والمؤسسات، وحرص على أن يكون العمل البرلماني امتداداً لحوار يومي مع نبض المجتمع، لا مجرد تفاعل موسمي مع الأحداث، فبهدوء الواثق، ودقة العارف، استطاع أن يعيد إلى النقاش السياسي بعضاً من رصانته المفقودة، وأن يمنح للممارسة النيابية مضموناً مسؤولاً يعلو على الحسابات الضيقة، ويعلّق الأمل على مستقبل تشاركي يُصاغ بالكفاءات لا بالصراخ، وبرؤية إصلاحية لا بشعارات استهلاكية، وإن كان نجم “الترند” اليومي بعيداً عنه، فإن حضوره الدائم في النقاش الجاد، ومساهمته في بناء خطاب سياسي مؤسساتي، يضعه ضمن أولئك الذين يشتغلون في صمت، ويؤمنون بأن السياسة ليست لعبة إعلامية بقدر ما هي مسؤولية ثقيلة تتطلب الاستماع أكثر من الكلام، والعمل أكثر من الوعد، والإنجاز أكثر من التبرير.
وفي شخص محمد شوكي، تلتقي الكفاءة بالاستقامة، وتنسجم الواقعية مع الطموح، ويبرز نموذج لرجل دولة جديد، يحمل في خطابه ملامح مستقبل ينتظره المغاربة بثقة ويستحقونه عن جدارة.