الداخلية تُقصي علال بايو من كرسي الشؤون الداخلية بسطات.

بقلم: إيمان بوسويف
في مشهد لا يخلو من رمزية ولا من رسائل مضمرة، فعّل العامل الجديد على إقليم سطات، محمد علي حبوها القرار المكتوم حينا والمفعل في التوقيت المناسب لوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، والذي يقضي بإعفاء السيد علال بايو من مهامه كرئيس لقسم الشؤون الداخلية، وهو المنصب الذي يشبه في بعض دواليب العمالات السلطة التنفيذية الصغرى التي لا تراقب، لكنها تراقِب، ولا تسأل، لكنها تُسائل.
القرار الذي طُبق اليوم الثلاثاء بصيغة إدارية جافة وخالية من عواطف البيروقراطية، وُصف في الكواليس بـالخطوة الإصلاحية الضرورية وفي دهاليز السلطة بـرسالة إلى كل من ظن أن الزمن لا يتحرك في أقسام العمالات، وأسباب الإعفاء حسب مصادر متعددة تراوحت بين ما هو إداري صرف، وما هو مرتبط بطريقة تدبير وصفها البعض بـالعمودية التراتبية التي تشبه حفلات الطاعة الإدارية.
علال بايو من مواليد فاس سنة 1968 كان قد نُقل إلى سطات في شتنبر 2022 من عمالة قلعة السراغنة، حيث شغل المنصب نفسه، في إطار حركة وطنية دورية تدار كأنها نشرات جوية للداخلية لا تعلم متى تمطر، لكنك تدرك أنها لا بد ستمطر، فالرجل إذن لم يُقال فجأة بل جرى ترتيب نزوله البيروقراطي بهدوء العارفين بقانون التوازنات الإدارية.
وقد تم إلحاق المسؤول المعفى بالمصالح المركزية لوزارة الداخلية، أي تلك المنطقة الرمادية التي توصف أحيانًا بـالمصير الإداري المؤجل حيث يجتمع المسؤولون المُبعدون في انتظار مهمة قد تأتي وقد لا تأتي.
ومن أجل سد الفراغ ولو مؤقتا، تم تكليف أحد رجال السلطة العاملين بإحدى الدوائر الحضرية لمدينة سطات بالإشراف المؤقت على قسم الشؤون الداخلية، في انتظار تعيين مسؤول قار، وبذلك تبدأ من جديد، عملية إعادة ترتيب البيت الداخلي وهي العبارة التي صارت أشبه بالشيفرة السرية لأي عملية تطهير إداري، حيث يُقال فيها الكثير ولا يُفصح عن شيء.
لكن ماذا يعني كل هذا؟ هل نحن أمام تحرك إداري عادي في إطار الصلاحيات الدستورية للداخلية، أم أن الأمر يعكس ما يشبه محاولة لـتفكيك نمط سلطوي تقليدي قائم على شخصنة القرار وتحويل المرفق العمومي إلى ضيعة إدارية يشرف عليها مسؤول وحيد الرأي لا يُناقش ولا يُزاح إلا بقرار مركزي؟
الجواب لا يوجد في بلاغ رسمي بل في الكواليس الإدارية حيث يُصاغ القرار بمداد المصلحة، وينفذ بآلية القانون، ويشرح بتأويل السلطة كما يقول أحد الفقهاء الإداريين بأن المرفق العام ليس مزرعة للمسؤول ولا مرآة لغروره، بل أداة لتحقيق الخدمة العمومية بلا نبرة سلطوية ولا مزاج إداري عكر.
وفي المحصلة يبدو أن الشاوية بصدد استعادة توازنها البيروقراطي، ولو عبر إعفاء ناعم لعلال بايو، إنها إذن لحظة تأمل لا في مصير بايو فقط، بل في ثقافة السلطة المحلية برمتها. فحين يُصبح تدبير الشأن العام مجرد واجهة لممارسات فردانية متصلبة، لا يكون الإعفاء قرارا إداريا فحسب، بل إدانة مؤجلة لنمط سلطوي يجب أن يدفن، لا أن يُرحّل.
وكما قال مونتسكيو ذات مساء إداري متجهم أن السلطة إذا لم تُحاسب تحوّلت من تكليف إلى تسلط.