أخبار وتقاريرتحت المجهرسياسةشخصياتقضايا و رأيوطنية

معاذ الجامعي… حين تعود الدولة إلى رجالاتها…

في لحظة رمزية محمّلة بالدلالات، ظهر معاذ الجامعي، الوالي السابق على جهة فاس-مكناس، في واجهة نشاط رسمي كبير نظمته وزارة الداخلية بمدينة تطوان، يوم الجمعة 1 غشت الجاري، بحضور وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، وثلة من الولاة والعمال والمسؤولين المركزيين، في مشهد يعيد طرح السؤال الجوهري: كيف تتصرف الدولة مع أبنائها، خصوصًا أولئك الذين اختبروا أزمنتها الصعبة ونجحوا في عبور اختباراتها الكبرى؟

الجامعي، الذي غادر ولاية فاس مكناس قبل نحو شهر، بدا في هذا اللقاء وكأنه لم يغادر مربع الفعل.

جلوسه في الصفوف الأمامية، إلى جانب أسماء وازنة ككريم قسي لحلو، الوالي السابق لجهة مراكش آسفي، ومحمد مفكر، مدير التعاون الدولي، لم يكن مجرد تفصيل بروتوكولي، بل تعبير عن نوع من الاستمرارية في الثقة، وإن اختلفت المواقع.

ليس سرًّا أن إعفاء الجامعي جاء في سياق ضجة أثيرت بردود وقراءات متباينة، غير أن المتتبعين يدركون أن هذه الوقائع، وإن بدا وقعها كبيرًا في لحظة ما، لا تعادل – في الميزان الاستراتيجي للدولة – حجم المسار الذي بناه الرجل، والذي راكم خلاله خبرة نادرة في تدبير الشأن الترابي، وفهم نبض الشارع، والتفاعل المباشر مع قضايا المواطنين.

الرجل القادم من خلفية إعلامية وحقوقية، لم يكن واليًا تقليديًا؛ بل انطبع حضوره بنَفَس ميداني، وقدرة على ترجمة توجيهات الدولة إلى فعل ملموس.

ولئن كانت بعض قراراته تثير الجدل أحيانًا، فإنها غالبًا ما كانت تعكس شخصية مسؤولة لا تهاب المواجهة، وتؤمن بأن إدارة الأزمات لا تتم من خلف المكاتب، بل من قلب التوتر الاجتماعي.

في وزارة الداخلية حيث تُصاغ السياسات الترابية وتُدبَّر الأزمات الأمنية والاجتماعية، يبدو أن الرجل ما زال يجد مكانه. فاستدعاؤه للمشاركة في لقاء بحجم لقاء تطوان، يؤشر، على الأقل، إلى أن اسمه لم يُشطَب من لائحة الكفاءات التي يُعوَّل عليها.

بل لعل الدولة اختارت أن تبعث برسالة ضمنية: أن رجالاتها الحقيقيين لا يُغيبهم سوء التأويل أو ضغط اللحظة.ليست هذه المرة الأولى التي تعيد فيها الدولة تموقع أطرها ممن غادروا الواجهة في ظروف خاصة.

فالتاريخ الإداري والسياسي المغربي مليء بأمثلة مماثلة، تؤكد أن الثقة لا تُبنى على حساب لحظة، بل على رصيد ممتد من الكفاءة والانخراط الصادق في خدمة الوطن.

هكذا يعود معاذ الجامعي لا من باب الاعتذار أو التبرير، بل من باب الإشارة إلى أن الدولة، حين تفكر في المستقبل، لا تنسى أبناءها الذين خبروا تفاصيلها، وتدرجوا في سلالمها، واحتكوا بواقعها كما هو، لا كما ترسمه التقارير.

الرسالة وصلت وربما لم يُرِد قائلها أن ينطق بها صراحة، لكن الصورة أبلغ من الكلام: في حضرة الوطن، لا يُنسى من خدمه بإخلاص.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى