تحت المجهرشخصياتقضايا و رأيمقالات الرأيوطنية

عصر صوفي جديد .. هو الزمان إذا اصطفى رجالَه… من المشيخة الصامتة إلى المشيخة الناطقة .. “سيدي منير عرَّفني الله “

بقلم : محمد القاسمي

هو الزمان إذا اصطفى رجالَه، وأذن للأسرار أن تخرج من مخابئها، وللأنوار أن تتسع حتى تحتضن القلوب العطشى، شخصِيًّا جلتُ كثيراً في عوالم القوم ، وعرفت وجوه المشيخة وأطوار التصوف، أجدني أكتب اليوم عن رجل لا يشبه أحدًا مما رأيت، ولا ينطبق عليه قوالب الجاهزين للحكم المسبق.

جلست إلى الشيخ منير القادري البودشيشي ساعات طوال، وفي جعبتي ما يكفي من الأسئلة والتوجس والتجربة، جئت وفي ذهني حكايات تُروى في الكواليس، بعضها فيه ريح غيرة، وبعضها فيه نَفَس خصومة، لكنني خرجت من مجلسه وأنا أردد في سري: “لقد التقيت نهراً صافياً لا يعرف الطمي”، الرجل يتحدث كما يتنفس، كأن كل كلمة فيه خرجت من مدرسة الصدق قبل أن تمر على فم البيان.

أنا لست من هواة المجاملة، ولا أكتب شهادة لأجل ودّ عابر، ولا أنا في حالة ضعف ولزاماً علي ان اقول ما أنا قائله ، أبدا ، أنا رجل تشكل وعيه بين الكتب والمجالس والوقائع، ورأيت في دنيا الصحافة والسياسة من المشاهد ما يجعلني أميز بين صورة مرسومة وحقيقة متجسدة؛ لذلك، حين أقول إن زمن الشيخ منير سيكون زمن التحول في مسار الزاوية البودشيشية، فإني أعني ما أقول.

لقد انتقلت الزاوية في تاريخها من المشيخة الصامتة إلى المشيخة الناطقة، لا عبر صخب أو خطاب سياسي، بل عبر حضور مثقف بليغ يعرف كيف يصوغ الكلمة حتى تصير جسرًا بين الحضرة والناس، ووسيلة وصل بين العامة والخاصة وخاصة الخاصة بلغة القوم ، هو شيخٌ تُعينه العبارة وتُساعفه ، ويستند إلى ثقافة موسوعية، يجيد الانتقال من دقائق الفقه إلى قضايا الاقتصاد، ومن أنوار الذكر إلى آفاق السياسة والثقافة، وكأنه يطوي المسافات بين العرفان والعمران.

ومن موقعي، وقد عرفت تاريخ العلاقة بين الزوايا والمملكة، أرى أن المرحلة القادمة ستشهد ازدهارًا غير مسبوق في علاقة الزاوية البودشيشية بالمؤسسة الملكية، خلاف ما يردده من يعيشون خارج السرب، أولئك الذين يتحدثون عن غضب أو جفاء لا يعرفون من الأمر إلا ما تصنعه الشائعات، الأيام ستكشف أن بين الشيخ والملك خيطًا من الوفاء والحضور المشترك، وأن الزاوية ليست على هامش المشروع الوطني، بل في قلبه ولاسيما في زمن الشيخ منير .

وأشهد أن نفحات الجذب والحب الكبيرين التي تربط مريدي الزاوية بالشيخ منير ظهرت جلية في الليلة الأولى التي صار الجميع يناديه فيها بـ”سيدنا الشيخ”، إذ ارتفع صوت المسمعين والمادحين في لحظة واحدة مرددين بيتًا من قصيدة “شوش في بالي”: “سيدي منير عرفني الله”، عندها انسكبت دموع الشيخ، وانهار باكياً في موقف يوقف الأنفاس، كأن المحبة تجسدت في هيئة بشرية، وكأن السر الروحي أعلن حضوره في تلك اللحظة أمام الملأ.

وإني أستشرف في زمنه أيضًا تشبيبًا واسعًا داخل الزاوية، لأن الرجل يملك مكانيزمات ذلك: فكره منفتح على الشباب، خطابه قريب من أرواحهم، ووعيه بالمجتمع الحديث يمنحه أدوات للتجديد دون أن يفرط في الجذور؛ سيأتي الجيل الجديد إلى الزاوية لا بوصفها تراثًا محفوظًا في صندوق، بل نهرًا حيًا يرويهم ويمضي معهم إلى الغد.

لقد مرّت الزاوية في الأشهر الأخيرة برياح عاتية، لكنها كالنخلة، لا تنحني إلا لتزداد رسوخًا، وأعرف أن شقيقه معاذ لن يكون إلا سندًا له، لأن المنطق الصوفي لا يسمح لماء واحد أن يتنازع على جدولين.

أكتب هذه الكلمات وأنا أعلم أن التصوف الفعّال لا يكتفي بإنارة القلب، بل يشارك في إنارة الدرب للأمة، والشيخ منير القادري، في نظري، من هؤلاء القلائل الذين يفهمون أن الكلمة يمكن أن تكون صلاة إذا خرجت من القلب، وأن المشيخة يمكن أن تكون رسالة إذا التحمت بروح الوطن .

وفق الله الشيخ منير وجعل زمانه زمن نرى فيه الشيخ الصوفي له حضور قوي في الدولة والمجتمع واني لأرى ذلك .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى