
تحولت صفقة الإسكان الاقتصادي الممنوحة لأكبر شركة عقارية بالدار البيضاء إلى جدل واسع، بعدما أثيرت على منصات التواصل الاجتماعي تساؤلات حادة حول جودة الأشغال والاختلالات في مشاريع موجهة لإيواء ساكنة دور الصفيح.
فقد حصلت الشركة، بموجب عقد مع وزارة الداخلية، على امتياز وصف بـ“الهدية” يعادل مليار دولار (ألف مليار سنتيم)، لبناء 32 ألف شقة اقتصادية بسعر السوق المحدد في 25 مليون سنتيم للشقة دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، هذا الامتياز، الذي قُدِّم باعتباره خطوة لتسريع وتيرة القضاء على السكن غير اللائق، تحوّل اليوم إلى عبء سياسي وأخلاقي بعد تداول مقاطع مصورة على “تيك توك” تكشف ما وصفه المستفيدون بـ“الغش في البناء”، معتبرين أن ما حصلوا عليه ليس سوى “سجون اقتصادية” لا ترقى إلى مستوى شقق سكنية تحفظ الكرامة.
الإشكال لا يتوقف عند حجم الامتياز المالي فقط، بل يمتد إلى خرق قواعد التعمير، ففي مشروع “سيدي معروف سيتي” مثلاً، حازت الشركة على ترخيص لتحويل منطقة C المخصصة للسكن الراقي، والتي تفرض تخصيص 80% من مساحتها كمساحات خضراء وبكثافة لا تتجاوز 100 شقة في الهكتار، إلى منطقة ذات كثافة عالية للسكن الاقتصادي. النتيجة: مدينة إسمنتية خانقة، لا مكان فيها للشمس ولا للمساحات الخضراء، في تحد صارخ لقانون التعمير وروح التخطيط الحضري.
انتشار فيديوهات الغش على المنصات الاجتماعية بلغ دوائر القرار بسرعة، واضعاً وزارة الداخلية أمام موقف محرج، مصادر مطلعة كشفت أن وزير الداخلية عبّر عن غضب شديد إزاء ما اعتُبر “ضرباً لمصداقية الدولة” في ملف حساس، وأمر بإيفاد مفتشية خاصة لمراقبة جودة الأشغال وإصلاح ما يمكن إصلاحه. الإجراء شمل جميع المشاريع المرتبطة بـ“عقد المليار دولار”، في محاولة لاحتواء الوضع وضمان حد أدنى من المعايير التي تحفظ صورة المؤسسات أمام الرأي العام.
القصة إذن لا تختصر في صفقة مالية ضخمة ولا في أرقام لامعة تتعلق بعدد الوحدات، بل في التوازن بين السرعة والجودة، وبين القضاء على دور الصفيح وبناء أحياء إنسانية تحفظ الكرامة. فهل تكفي لجان التفتيش ومعالجات جزئية لاستعادة الثقة، أم أن ملف الإسكان الاقتصادي يحتاج إلى مراجعة شاملة تعيد الاعتبار لقانون التعمير وللمواطن المستفيد قبل كل شيء؟