
تلتئم الجماهير حول الشيخ منير القادري بودشيش كما يلتفّ السالك حول منبع النور، شاهدة أن المتصوفة لا تغريهم زخارف الدنيا، ولا يستهويهم إلا الوفاء للوصية، والإيمان بالسرّ الذي ينتقل من شيخ إلى شيخ، كما تنتقل الشعلة من يد إلى يد، ليظل النور قائماً في الأمة ما دام الليل والنهار.
فالصوفي الحقّ لا يطلب سلطاناً ولا منصباً، إنما يطلب الحقيقة التي يذوقها في قلب شيخه، ويشهدها في صفاء حاله. ومن هنا كان صاحب الوقت في ميزان القوم رجلاً لا تستعمله جماعة، ولا توظفه جهة، ولا تحدّ مقامه مؤسسات الظاهر. بل هو سرّ من أسرار الله، يستقبله أهل الباطن في عالم الأرواح بترحاب، ويسلّمونه مفاتيح تدبير أحوال السالكين، فيغدو ملاذاً للروح، ومورداً للعطشى إلى الصفاء.
وإذا نزلت به المحن أو أحاطت به الضربات، بقي صامداً، لا يتزعزع ولا ينكسر، لأن سرّ الوصية في صدره، وعهد الأجداد على كتفه، وحفظ الله في قلبه. فهو يمضي كالطود، ثابتاً بالسرّ، محروساً بالوصية، مأخوذاً بعهد لا يُمحى.
ومع ذلك، فإن هذا المقام الباطني لا يخرجه من طاعة أولي الأمر، بل يزيده وفاءً وولاءً. فالتصوف الحق عند المغاربة لم يكن يوماً انفصالاً عن الشرعية، وإنما كان دوماً في حضنها. إن الحب لله ورسوله لا ينفصل عن الوفاء للوطن، والولاء لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أمير المؤمنين، الذي جعله الله سراجاً للأمة وحارساً لأمنها الروحي والديني. وقد قال أهل الطريق: «من أطاع النور لم يضل، ومن تبع الولي لم يزل».
فالزاوية التي تحفظ السرّ وتثبت الوصية، لا تقف على هامش الوطن، بل تذوب في كيانه، وتجدّد في كل عهد بيعتها الروحية والوجدانية لإمارة المؤمنين، لأنها ترى أن الشرعية في الظاهر والسر في الباطن نور واحد وفي ذلك قيل: «السلطان ظلّ الله في الأرض، ومن استظلّ بظله أُمِّن حرّ الشمس».
وهكذا يصبح اجتماع المريدين حول الشيخ منير القادري بودشيش مشهداً لا ينفصل عن الاجتماع الأكبر حول أمير المؤمنين؛ الأول وفاء للسرّ، والثاني وفاء للشرعية، وكلاهما يجتمعان في نور واحد، يضيء مسيرة الأمة ويضمن استمرار العهد جيلاً بعد جيل.