
لم يعرف المغرب في تاريخه الحديث زخماً من المشاريع الملكية الكبرى كما عرفه في السنوات الأخيرة، حيث عاشت البلاد أفراحاً متتالية من تنظيم كأس العالم إلى تدشين مستشفيات جامعية، ومن دعم مباشر للسكن إلى إنهاء دور الصفيح، غير أن هذه الأفراح كثيراً ما تحوّلت إلى خيبات أمل، بعدما تسللت إليها بيروقراطية بعض الإدارات وجشع بعض المسؤولين.
المغاربة ملكاً وشعباً هللوا للخبر العظيم: تنظيم كأس العالم على أرض المغرب. لكن سرعان ما تحوّلت البهجة إلى حزن، بعدما عمد بعض رجال السلطة المحلية إلى هدم منازل ومحلات على رؤوس أصحابها، تحت ذريعة الاستعداد للمونديال، من دون احترام للمساطر ولا مراعاة للكرامة الإنسانية. فبدل أن تكون المناسبة عرساً وطنياً، تحوّلت إلى مأساة اجتماعية تجرها الجرافات.
وحين أعلن الملك عن الدعم المباشر للسكن، استبشر آلاف الشباب خيراً. غير أنّ وزارة الإسكان لم تُفرج عن أول دفتر تحمّلات إلا بعد سنتين من القرار الملكي، وهي فترة كافية لنفاد مخزون “مافيا العقار” من السكن القديم، فتحولت المبادرة الملكية من فرصة للعدالة الاجتماعية إلى ربح سهل لجيوب المضاربين.
مليارات وُظفت لإعادة إسكان ساكنة دور الصفيح، على وعدٍ بشقق لائقة تحفظ كرامة المواطن. لكن الواقع الذي تناقله رواد “تيك توك” كشف عن شقق صغيرة لا تتجاوز 50 متراً، خرسانتها هشة تتفتت كقطعة زبدة في اليد. بدل أن تكون البيوت مأوى كريماً، تحوّلت إلى “سجون اقتصادية” بيد مافيا فاسدة.
كما دُشّنت مشاريع رائدة بتوجيهات ملكية، مثل مستشفى محمد السادس والشيخ زايد والشيخ خليفة، لتكون صروحاً حديثة بعيدة عن منطق الربح. لكن بعض المسؤولين قلبوا الأمل إلى يأس، بفرض الشيك كشرط للدخول، وكأن شعار الصحة العمومية أُعيدت صياغته إلى “ادفع لتُعالج”.
والمغاربة طالما اعتزوا بمرجعية إمارة المؤمنين والمذهب المالكي، وبغنى منابر الجمعة. غير أن وزارة الأوقاف، بسياسة توحيد الخطب، جعلت الخطبة أقرب إلى “نصوص ذكاء اصطناعي” مكررة، لا تراعي لا اللامركزية ولا اجتهاد العلماء، فكان أن فرّ الناس من المساجد بدل أن يقصدوها.
أما الدار البيضاء، فمع خروج شركة “ليدك” الفرنسية استبشر السكان خيراً بقدوم وزارة الداخلية لتسيير قطاع الماء والكهرباء، على أمل تحسين الخدمة وخفض الأسعار. لكن الواقع جاء معكوساً: مشاريع عُطلت لأشهر، والفواتير قفزت بنسبة 20% بعد تسلم SRM للمرفق. فارتفع صوت البيضاويين: “ليتنا لم نفرّط في ليدك”.
هكذا تحوّلت 2025، التي وُصفت بسنة الإنجازات الكبرى والأمل المتجدد، إلى عام من الخيبات الاجتماعية بفعل قرارات متسرعة أو حسابات بيروقراطية. وبين ما ينجزه الملك وما يُفرغه بعض المسؤولين من محتواه، يبقى السؤال معلّقاً: متى تتحول فرحة المغاربة إلى واقع دائم، لا إلى كابوس يلاحقهم .