تحت المجهرجهويةسياسةقضايا و رأي

حين يصغر الكتف أمام عبء الزعامة.. فاس تفضح ادعاءات إسحاق شارية.

الزعامة الحقيقية لا تُختزل في تدوينة ولا تُنتزع بلقطة عابرة، وإنما تُبنى بالمصداقية والنضال والثقة المتراكمة، لذلك لم يكن مستغرباً أن تتحول فاس، المدينة التي لا تغفر الادعاء، إلى مرآة حقيقية كشفت حجم الفرق بين من يُراكم الشرعية بالفعل، ومن يحاول اصطناعها بالقول، فقد خرج إسحاق شارية، الأمين العام لما يسمى الحزب المغربي الحر، ليخاطب الفايسبوك بتدوينة مثقلة بالغرور السياسي، مدعياً أنه ألقى “كلمة جماهيرية أمام ساكنة فاس المناضلة”، في محاولة لتزييف الواقع وتجيير الجهود لصالحه، متناسياً أن اللقاء الذي انعقد كان ثمرة تنسيق ثلاثي شعبي واضح، جمع حزب الحركة الشعبية، والحزب الديمقراطي الوطني، والحزب المغربي الحر، لكنه كان لقاءً ناجحاً بفضل حضور مناصري حميد شباط، الرمز الفاسي الثقيل الذي لا يمكن تجاوزه أو تغافل تأثيره الوازن في معادلة المدينة.

ولعل ما أثار الاستغراب والاشمئزاز معاً، هو تعمد شارية القفز على هذه الحقائق، في سلوك يُشبه كثيراً نزعات الصغار الذين يريدون تسلق جدران الكبار على حساب غيرهم، إذ ليس من السياسة في شيء أن يُسرق جهد الآخرين ويُنسب إلى الذات، وليس من الأخلاق أن يُلغى شركاء الفعل لمجرد أن الصورة أرادت غير ذلك، وإن أخطر ما في تدوينة شارية ليس الكذب السياسي وحده، بل الإصرار على اختلاق زعامة وهمية لا تملك من الواقع سوى الظلال.

لقاء الذي تحدث عنه شارية على أنه من تنظيمه، لم يكن كذلك، بل كان ثمرة اشتغال قاعدي مكثف من طرف مناضلي التكتل الثلاثي، وخاصة مناصري شباط الذين حجوا إلى القاعة وأعطوا للحدث طعمه السياسي وحرارته الجماهيرية، ففاس لا تفتح ذراعيها إلا لأبنائها، ولا تهتف إلا باسم من خبرته في الشدة، أما من يأتون بخفة تدوينة وصخب مراهقة سياسية، فإن المدينة تحتفظ لهم بموقع في الهامش، لا في المركز.

ثم إن اللقاء نفسه عرف احتجاجات خارج مقر المجلس، حيث رُفعت شعارات قوية ضد إسحاق شارية، واتُّهم بالتواطؤ في اعتقال رفيقه السابق محمد زيان، الأمر الذي يؤكد أن صورته لم تكن محل إجماع، بل كانت موضوع انقسام ورفض من شرائح واسعة، ولم يكن من المقبول سياسياً أن يتجاهل هذا المشهد الاحتجاجي، أو أن يتصرف كما لو كان في مهرجان احتفاء، والحال أن أصواتاً من قلب فاس كانت تذكّره بماضيه، وتحمّله مسؤولية تخليه عن من رافقه في مراحل سياسية مفصلية.

إن شارية الذي يحاول تقديم نفسه كرقم صعب في المعادلة السياسية، ينسى أو يتناسى أن الأرقام لا تُصنع بالإعلانات ولا بالتدوينات، بل تُصنع على الأرض، في الاحتكاك اليومي مع الناس، في مواجهة الملفات، في تعبئة الشارع، وفي كسب ثقة القواعد، وكل هذه الأمور لا يملك منها شيئاً يُذكر، بل كل ما لديه هو ميل مرضي للظهور، وحاجة ماسة لأن يُنظر إليه، ولو عبر اختلاق انتصارات لم تحدث.

فمن العيب أن يسرق المرء مجهود غيره، ومن المُخزِي أن يفعل ذلك وهو يعلم أن فاس كلها كانت شاهدة على مَن حضر، ومَن غاب، ومَن حرّك الجماهير، ومَن اكتفى بالتقاط الصور، ومن المؤسف أن يصل الخطاب السياسي إلى هذا المستوى من الانحدار، حيث تصبح التدوينة بديلاً عن التحليل، وتصبح الصورة بديلاً عن الشرعية، ويصبح الاستعراض بديلاً عن الإنجاز.

فاس التي أنجبت زعماء حقيقيين، تملك ميزانها، وتعرف جيداً مَن يُراكم النضال، ومَن يُراكم الأوهام، وهي اليوم تُسقط ورقة التوت عن محاولة شارية القفز على الواقع، وتُعيد الأمور إلى نصابها، وتُذكّر الجميع أن من لا يملك شرعية الناس، لن تمنحه الفايسبوك شرعية الزعامة، ولو كتب ألف مرة أنه كان “أمام الجماهير”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى