عيد العرش.. ستة وعشرين سنة من الحكم الملكي بين استمرارية الدولة ورهانات الجيل الجديد…

تخلد المملكة المغربية الشريفة الذكرى السادسة والعشرين لتربع الملك محمد السادس على العرش في سياق خاص يفتح الباب أمام قراءة تحليلية لمسار سياسي واجتماعي واقتصادي بصمته الملكية منذ سنة 1999، كما يبعث رسائل قوية حول استمرارية الدولة واستعداد الجيل الجديد لحمل مشعل القيادة، في ظل حضور متزايد ووازن لولي العهد الأمير مولاي الحسن.
ومنذ اعتلائه العرش اختار الملك محمد السادس نهجًا إصلاحيًا متدرجًا، يجمع بين تحديث الدولة وترسيخ الاستقرار، ما مكّن المغرب من الحفاظ على توازنه الداخلي وتماسكه المؤسساتي رغم التحديات الإقليمية والتحولات الجيوسياسية المحيطة وقد جسدت خطب العرش المتعاقبة خارطة طريق دقيقة، وجهت السياسات العمومية نحو العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفوارق المجالية، وإعادة هيكلة الحقل الاقتصادي، مع تعزيز الحضور الإقليمي والدولي للمغرب في قضايا الأمن والتنمية والهجرة والتغيرات المناخية.
وتُعد هذه الذكرى مناسبة لرصد التحول العميق في مفهوم السلطة كما بلوره الملك في خطابه الأول، حيث انتقل دور الدولة من سلطة عمودية إلى سلطة مواطِنة قائمة على القرب والنجاعة، وهو ما ترجمته مشاريع مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وإصلاح مدونة الأسرة، وتوسيع حقوق المرأة، بالإضافة إلى الانخراط في مسلسل العدالة الانتقالية من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة.
في المقابل تفرض المرحلة الحالية مراجعة نقدية لبعض الأعطاب البنيوية التي تعيق تنزيل التوجيهات الملكية على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بإشكالات الإدارة، أو بطء الإصلاحات الاجتماعية، أو تفاوت منسوب الثقة في المؤسسات الوسيطة.
وهو ما جعل الملك يوجه في أكثر من مناسبة انتقادات واضحة للنخب والمسؤولين، داعيًا إلى تجديد النموذج التنموي، وتقوية الجبهة الداخلية، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، في أفق بناء دولة اجتماعية عادلة ومنتجة.
ويأتي حضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن في هذه المناسبة كإشارة رمزية وسياسية دالة، تؤكد على جاهزية الجيل الجديد في حمل مشعل الاستمرارية… فولي العهد الذي رافق والده في عدد من المهام الرسمية والدولية، أصبح يشكل عنصرًا أساسيًا في المشهد السياسي المستقبلي للمملكة، كما يعكس تكريس ثقافة الدولة داخل المؤسسة الملكية، واستعدادها لمواجهة الزمن السياسي برؤية استراتيجية ممتدة في العمق التاريخي والاستشراف المستقبلي.
ويُجمع عدد من المتابعين على أن المؤسسة الملكية ظلت، طيلة ربع قرن، الضامن الأول للاستقرار والوحدة، والقاطرة الحقيقية التي تقود التغيير داخل البلاد… وهي اليوم من خلال هذه الذكرى، تجدّد تموقعها كفاعل مركزي في التوازن السياسي والاجتماعي، مستفيدة من شرعية تاريخية، ودينامية إصلاحية، ووعي تام بالرهانات الوطنية والدولية القادمة.
وبين الوفاء للمسار والرهان على المستقبل، تظل ذكرى عيد العرش لحظة لقراءة الحصيلة، ولكن أيضًا نافذة لرؤية مغرب جديد، يتجاوز الإكراهات الظرفية، وينطلق من مشروع ملكي لا يكتفي بإدارة الأزمات، بل يسعى إلى بناء نموذج تنموي يستوعب طموحات الأجيال المقبلة بقيادة مؤسسة ملكية قائمة على الاستمرارية والتجديد.