من تأسيس الشركة إلى تفكك الهيكل: ماذا يحدث داخل المغرب الفاسي؟

منذ المصادقة على القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة سنة 2010، وهو القانون الذي كان يُنتظر منه أن يُحدث ثورة في منظومة تدبير الأندية الرياضية، لم تَشهد كرة القدم الوطنية سوى تعثرات متتالية في تفعيل مضامينه.
ورغم ما حمله هذا القانون من طموحات واضحة لإرساء دعائم الاحتراف، فإن واقع الأندية، وفي مقدمتها نادي المغرب الفاسي، يكشف عن هشاشة بنيوية حقيقية، يتداخل فيها ضعف الحكامة مع سطوة المال، وتضيع فيها مصلحة الفرق بين الجمعية والشركة.
لقد اختار المغرب الفاسي، في تجربة سبّاقة، تأسيس شركة رياضية سنة 2020، ليُعلن بذلك انخراطه في المشروع الوطني لاحتراف كرة القدم.
إلا أن السنوات التي تلت هذا القرار لم تكن في مستوى الرهانات؛ فقد انقضى الموسم الرياضي الأخير تحت ظلال الإخفاق، بدءًا من تعاقدات لاعبين لم يُقدّموا ما يُنتظر منهم، إلى تغييرات متكررة في الطاقم التقني، ووصولاً إلى استقالة رئيس الشركة، وما رافق ذلك من ارتباك واضح في التسيير الإداري والرياضي.
في مقابل ذلك ظلّت الجمعية الرياضية التابعة للنادي تُمسك بخيط خفي من التوازن، من خلال الاشتغال على التكوين والأكاديمية، وهو مجهود تُرجم بتطعيم الفريق الأول بستة لاعبين من مدرسة النادي.
إلا أن هذه الحصيلة الإيجابية لم تشفع لها أمام حملة منظمة، مدفوعة الأجر، وُجهت ضد رئيس الجمعية، الذي وجد نفسه في مرمى سهام لا تنتقد أداءه بقدر ما تستهدف موقعه، وكأن المطلوب هو إخلاء الساحة لهيمنة المستثمر، لا محاسبة الفاعلين.
وهنا يطرح السؤال الأعمق: هل نعيش مرحلة “احتراف الشركات” أم “احتكار المواقع”؟ وهل يُراد لقانون الرياضة أن يكون أداة للتمكين المؤسساتي، أم مجرد قنطرة للسطو على الجمعيات من طرف رأسمال يبحث عن النفوذ قبل الإنجاز؟
إن ما جرى داخل كواليس نادي المغرب الفاسي يُعبّر عن أزمة أعمق، تتجاوز نتائج المباريات، لتلامس جوهر التسيير الكروي في المغرب.
فقد تخلّى البعض عن التقييم الجريء، وفضّلوا الهروب إلى الأمام، مستخدمين نفوذ المال وآلياته الإعلامية لتشويه الأصوات التي تطالب باحترام القانون.
وقد بلغت الأزمة ذروتها باستقالة رئيس الجمعية، ليُدعى بعد ذلك إلى جمع عام عادي، من طرف نائب قدّم استقالته قبل الرئيس نفسه، في ضرب صارخ لمقتضيات القانون، الذي ينص على ضرورة عقد جمع عام استثنائي، تُعيّن خلاله لجنة مؤقتة تُشرف على التحضير لانتخابات جديدة.
وما زاد من تعقيد المشهد هو الإعلان عن لائحة مفترضة يرأسها اسم غير منتخب، وتضم أفرادًا لا تتوفر فيهم شروط الأهلية القانونية أو الكفاءة التسييرية.
وفي ظل هذا المسار المرتبك، يبرز صمت العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، رغم أن رئيس العصبة كان قد صرّح سابقًا بدعمه التام للمستثمرين الماليين دون قيد أو شرط، وهو موقف يُثير القلق المشروع حول مدى التزام الهيئات المشرفة بحيادها، واحترامها للقانون، وإنصافها للجمعيات التي لا تزال تشكّل الأساس القانوني والهيكلي لمعظم الأندية الوطنية.
إن ما يحدث داخل المغرب الفاسي ليس حالة معزولة، بل مرآة تعكس مأزق التحول إلى الاحتراف في سياق لا تزال فيه القوانين مؤجلة التنفيذ، والقرارات تُطبخ في صالونات مغلقة، وتُمرّر عبر جموع عامة صورية، لا تعكس نبض المنخرطين ولا إرادة القاعدة الجماهيرية.
فهل يُعقل أن نُراهن على مستقبل كروي في دولة الحق والقانون، بينما تغيب عن المشهد القاعدة الأولى لهذا الحق: احترام النص والمؤسسات؟