
منذ تأسيسها، تحوّلت ثانوية التميز محمد السادس بابن جرير (LYdEX) إلى أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية، إذ غدت مختبراً لإنتاج النبوغ المغربي، ومصنعاً حقيقياً للكفاءات العلمية والتقنية التي تحمل كل عام مشعل التفوق الوطني نحو آفاق دولية واسعة. لقد أعادت هذه المؤسسة الاعتبار للمدرسة المغربية، ومنحت التلميذ الفقير فرصة أن ينافس في كبريات المعاهد العالمية، لتعلن أن التفوق لا يُقاس بثراء الجيب بل بثراء العقل، وأن الجد والاجتهاد هما وحدهما مفتاح العبور إلى الريادة.
انطلقت التجربة من رؤية ملكية ثاقبة ودعم استراتيجي للدولة، لتؤكد أن المغرب قادر على أن يصنع من المدرسة الوطنية فضاءً لإنتاج العبقرية، ومختبراً يضاهي، بل يتجاوز أرقى مؤسسات التعليم العالمي. وما أن مضت سنوات قليلة على تأسيسها، حتى استطاعت ثانوية التميز أن تسجل إنجازاً غير مسبوق حين أوصلت خمسة وعشرين من تلامذتها في عام واحد إلى مدرسة Polytechnique الشهيرة بفرنسا، وهو معدل لم تستطع حتى مؤسسات البعثات الأجنبية أن تحققه عبر عقود من الزمن.
لم يعد يُنظر إلى ابن جرير كمدينة فوسفاطية فحسب أو كعاصمة للرحامنة، بل كمنارة علمية صاعدة، تحتضن إلى جانب جامعة محمد السادس متعددة التخصصات، ثانوية التميز التي صارت مرجعاً في تكوين أجيال ذات ذكاء متقد وأفق عالمي. إنها رسالة قوية مفادها أن المغرب حين يؤمن بأبنائه، فإنه يصنع من المستحيل واقعاً، ويجعل من الفقر منطلقاً للريادة، ومن البساطة رافعة للإبداع.
وما يميز هذه المؤسسة ليس فقط جودة برامجها ولا صرامة معاييرها، بل إيمانها العميق بأن المغرب يملك من الطاقات ما يتيح له الاستغناء عن عقدة الاستيراد التربوي، وبأن الكفاءات الأصيلة متى وجدت بيئة حاضنة، تلمع وتتألق وتفتح للوطن نوافذ رحبة على المستقبل. وهكذا صارت مدرسة التميز عنواناً لمغرب الطموح، ومختصراً لمسار نهضوي يُكتب بمداد التفوق والابتكار.
ولأن المدن العريقة لا تنهض إلا بسواعد مخلصة ورؤى مؤمنة بمستقبلها، فقد كان لحضور بعض رجالات الرحامنة الأوفياء أثرٌ خفيّ لكنه عميق في صناعة هذا التحول الباهر، إذ جمعوا بين الوفاء للأرض والإيمان بالمشروع الوطني، فصاروا جسراً من الثقة بين طموحات الدولة وتطلعات الإنسان. لقد أثبتوا أن الأثر الحقيقي لا يُقاس بالخطابات ولا بالمناصب، بل بما يتركونه من بصمات في وجدان الناس، وبما يغرسونه من أمل في قلوب الأجيال.
ابن جرير اليوم ليست مجرد مدينة، بل رمز للأمل وإشعاع للتميز، ومختبر حيّ لمغرب جديد يؤمن بذكاء أبنائه، ويحوّل الحلم إلى إنجاز، ويجعل من المدرسة الوطنية بوابة عبور واثق نحو نادي الدول الصانعة للمعرفة.