ثقافة

سيطرة التفاهة على الإعلام: بين الأرباح وضياع القيم.

بقلــم : هاجــر القــاسمــي

في السنوات الأخيرة شهد المجال الإعلامي تحولات جذرية أثرت على طبيعة المحتوى المقدم للجمهور، حيث أضحت التفاهة تهيمن بشكل مقلق على المشهد الإعلامي متجاوزة أدوار الصحافة التقليدية في التثقيف والتنوير، أصبح التركيز ينصبّ بشكل متزايد على المحتوى السطحي الذي يثير الجدل أو يُلهي الجمهور بدلاً من تقديم مواد ذات قيمة معرفية وأخلاقية، هذه الظاهرة أثارت تساؤلات حول أسبابها وتداعياتها على المجتمع ودور الإعلام في الحفاظ على رسالته النبيلة في خدمة الصالح العام.

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة حيث أصبحت منصات مثل “يوتيوب” و”إنستغرام” و”تيك توك” ساحات لظهور شخصيات لا تقدم سوى محتوى قائم على الاستعراض أو الجدل المبتذل، هؤلاء “المؤثرون” باتوا ينافسون المؤسسات الإعلامية التقليدية على جذب الجمهور مما دفع البعض إلى تقليد هذا الأسلوب سعياً وراء نسب المشاهدة والإعلانات المربحة، هذه النزعة نحو التسطيح أضعفت مستوى الحوار العام وحولت الاهتمام إلى مواضيع غير جوهرية تاركة القضايا المهمة التي تهم حياة المواطنين في الظل.

الربحية كانت أيضاً أحد الدوافع الأساسية وراء سيطرة التفاهة على الإعلام، كثير من المؤسسات الإعلامية في ظل المنافسة الشرسة، باتت تلهث وراء ما يلفت الانتباه سريعاً دون أن تولي اعتباراً لجودة المحتوى أو الرسالة التي يحملها البرامج الحوارية، التي كانت في السابق منصات للنقاش الجاد، تحولت في الكثير من الأحيان إلى مساحات للصراعات المفتعلة والإثارة الرخيصة بهدف زيادة نسب المشاهدة وتحقيق الأرباح التجارية.

هذه الهيمنة للتفاهة لم تخلُ من انعكاسات خطيرة على المجتمع فبدلاً من أن يكون الإعلام وسيلة لتشكيل وعي الأفراد وتعزيز القيم الإنسانية أصبح أداة للترويج للسطحية والابتذال، أجيال الشباب التي تتأثر بشكل كبير بما تقدمه وسائل الإعلام، أصبحت معرضة لفقدان القدرة على التمييز بين المحتوى الهادف والضار ما يهدد بتراجع المستوى الثقافي والمعرفي على المدى الطويل.

ورغم هذا الواقع المقلق لا يزال هناك أمل في إعادة الاعتبار لدور الإعلام كوسيلة للتنوير والتثقيف، يتطلب ذلك إرادة حقيقية من قبل العاملين في المجال الإعلامي للالتزام بأخلاقيات المهنة ووضع جودة المحتوى وقيمته المعرفية فوق كل اعتبار كما يحتاج الجمهور إلى أن يكون أكثر وعياً في اختيار ما يستهلكه من محتوى والابتعاد عن دعم التفاهة التي تضر بالمجتمع ككل.

إن سيطرة التفاهة على المجال الإعلامي ليست مجرد مشكلة ظرفية بل تحدٍّ يعكس اختلالاً في الأولويات والقيم التصدي لهذه الظاهرة مسؤولية مشتركة بين الإعلاميين والجمهور، لضمان أن يستعيد الإعلام دوره كمنبر يعكس تطلعات المجتمع ويساهم في بناء مستقبل أفضل.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى