وطنية

مولاي الحسن.. الأمير الذي يقرأ الملفات، يُتابع نبض الشارع، ويُلامس قلب الدولة…

تُختزن خلف الأناقة الهادئة للأمير مولاي الحسن، ملامح شخصية استثنائية تتجاوز التمثيل البروتوكولي التقليدي لمؤسسة ولاية العهد، لتجسّد ملامح جيل ملكي جديد، يتفاعل مع الوطن من الداخل، ويتقدم إليه بمعرفة دقيقة، وذكاء عاطفي فائق، وإدراك لروح العصر، ولغة جيله.

ليست مصادفة أن تتقاطع العديد من القضايا الكبرى التي أثيرت في الفضاء الرقمي، مع تدخلات غير مباشرة تمّت بحكمة وهدوء، وكان لولي العهد فيها أثرٌ واضح، يعكس متابعته الدقيقة لما يُشاع ويتداول، ليس من برج عالٍ، بل من قلب النبض الشعبي كما يتجلى في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتشكل اليوم أولى تعبيرات المجتمع الحيّ ومطالبه العميقة.

تشير المعطيات المتوفرة والتي لا يُمكن التصريح بكامل تفاصيلها، إلى أن الأمير يعيش حياة يومية مشبعة بالقراءة، والتفكير، والتأمل، والإنصات، والاطلاع الواسع على ما يدور داخل المغرب وخارجه، في السياسة، والثقافة، والعلوم، والفنون، بتواضع لافت، وفضول معرفي كبير، ورغبة في الإحاطة بكل صغيرة وكبيرة، وتؤكد مصادر مطلعة أن سموه يحرص في أوقات معينة على التجول بنفسه، وفي إطار من الخصوصية التامة، في بعض الفضاءات العمومية، ليستشف بعينه الميدانية واقع بلاده.

ولي العهد الحاصل مؤخرًا على شهادة الماستر لا يبدو كمن ينتظر العرش، بل كمن يتأهب له بالعقل والعمل، لا بالصورة والمشهد، فما بعد الماستر ليس كما قبله، لأن تلك الشهادة لم تكن تتويجًا لمسار أكاديمي عابر، بل تحوّلاً نوعيًا في هندسة مؤسسة ولاية العهد، حيث صار الأمير مؤهلاً علميًا، مُلمًّا بمفاصل دقيقة في القانون، والعلاقات الدولية، والاقتصاد، والبيئة، والاتصال، لقد اختار أن يحمل المعرفة ليصوغ بها الرؤية، وأن يدخل إلى الدولة من باب الدرس، والتحليل، والتخطيط، والتكوين العميق، لا من باب الوراثة فقط.

لقد بات واضحًا أن مؤسسة ولاية العهد في نسختها الجديدة، ليست إطارًا شكليًا، بل جزءًا من آلية اشتغال الدولة الحديثة، تعمل في صمت، وتراقب في احترام، وتتهيأ لتُمارس مسؤولياتها حين تناديها الضرورة، لا على قاعدة الاستعداد المستكين، بل على أساس الجاهزية الكاملة والنباهة المُتقدة.

وفي هذا السياق تتجلّى ملامح أميرٍ يعرف ما يُنتظر منه، ويُدرك رمزيته المتعاظمة، لكنه لا يتعامل معها كحق موروث، بل كتكليفٍ مستقبلي، أميرٌ يواكب، يُتابع، يقرأ، يُحلل، يُدوّن، يُقارن، يسأل، ويستمع، أميرٌ لا يشبه إلا زمنه، ولا يشبهه في الجدية، والرصانة، والاستعداد، إلا القليل من قادة العالم الذين تمرّنوا باكرًا على صناعة الرؤية، قبل أن يُطلَب منهم اتخاذ القرار.

إنّ مولاي الحسن كما تُجمِع شهادات متقاطعة، لا يقرأ الأوراق فقط، بل يقرأ المغاربة أيضاً، بلغتهم، بمشاعرهم، بحسّهم النقدي، وبطموحهم، يتفاعل مع نبضهم، ويعيد صياغة ذلك النبض في صمت، تمامًا كما تفعل القيادات العميقة حين تتهيأ لتحمل المسؤولية، فالقائد، كما يقول بيير بورديو، “هو من يملك القدرة على الإصغاء لما لا يُقال”، ومولاي الحسن يبدو في هذه المرحلة المبكرة من عمره وقد امتلك تلك القدرة باقتدار.

وحين كتب أحد الفلاسفة أن “الرمزية لا تُصنع بالخطب، بل بالثقة الهادئة”، كانت تلك العبارة وكأنها كُتبت لتصف هذا الأمير بالذات، الذي يكبر بين المغاربة كل يوم، دون أن يطلب لنفسه شيئًا، سوى أن يكون في مستوى ما ينتظرونه منه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى